كيف يساهم صندوق الاستثمارات العامة في تشكيل مستقبل قطاع التعدين في المملكة العربية السعودية
مع توجه العالم إلى تفعيل استخدام مصادر الطاقة النظيفة، يزداد الطلب على المعادن والفلزات الضرورية لهذا التحول. تتطلب تقنيات الطاقة النظيفة مثل الألواح الشمسية وحقول الرياح والمركبات الكهربائية ما بين أربعة وعشرة أضعاف الموارد المعدنية التي تتطلبها نظيراتها القائمة على الوقود الأحفوري، ويشمل ذلك مختلف المعادن من النحاس إلى كربيد السيليكون. وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى وجود حاجة لزيادة إنتاج المعادن المطلوبة حديثاً، مثل الليثيوم والكوبالت والعناصر الأرضية النادرة، بما يصل إلى ستة أضعاف بحلول عام 2040، لتحقيق أهداف اتفاقية باريس.
ويقول ريتشارد هوروكس-تايلور، رئيس قسم المعادن والتعدين في بنك ستاندرد تشارترد: "تشير السوق إلى أننا سنحتاج في السنوات الـ 25 المقبلة إلى كميات من النحاس تفوق ما تم تعدينه في كامل تاريخ البشرية، وأمامنا الكثير من المتطلبات الإنتاجية التي يجب أن نلبّيها".
بالنسبة للمملكة العربية السعودية، يعد التحول في مجال الطاقة محركاً رئيسياً لتنويع اقتصادها، وذلك في إطار تحقيق أهداف رؤية السعودية 2030. ونظراً لكون صندوق الاستثمارات العامة هو "المحرك الاستثماري لقيادة التحول الاقتصادي"، فإنه يسعى إلى إعادة تشكيل اقتصاد المملكة بما يناسب هذا الواقع الجديد، بالإضافة إلى تمهيد الطريق أما المملكة لتصبح مركزاً للتعدين والمواد الأساسية، انطلاقاً من كونه قوة محركة الاقتصاد العالمي الجديد.
إعادة تشكيل اقتصاد المملكة بما يناسب هذا الواقع الجديد، بالإضافة إلى تمهيد الطريق أما المملكة لتصبح مركزاً للتعدين والمواد الأساسية، انطلاقاً من كونه قوة محركة الاقتصاد العالمي الجديد.
وأوضح محمد الداود، مدير قطاع الصناعات والتعدين في الإدارة العامة لاستثمارات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في صندوق الاستثمارات العامة، منهجية الصندوق في هذا الشأن قائلاً: "نحن مستثمرون مؤثرون ونُعد مصدراً يساهم في تنويع اقتصاد المملكة. إنه تحدٍّ يواجه الاقتصاد الدولي وهناك فرصة للتصدي له على نطاق عالمي".
محمد الداود، مدير قطاع الصناعات والتعدين في الإدارة العامة لاستثمارات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، صندوق الاستثمارات العامة. يشرح نهج صندوق الاستثمارات العامة: "نحن مستثمرون مؤثرون ونُعد مصدراً يساهم في تنويع اقتصاد المملكة. إنه تحدّ يواجه الاقتصاد الدولي وهناك فرصة للتصدي له على نطاق عالمي."
أعمال التنقيب والفرص المتاحة
تمتلك المملكة الخبرة في مجال التنقيب، وقد نجحت بالفعل في تحويل تركيزها إلى ما هو أبعد من النفط. فعلى مدى العقد الماضي، بدأت شركة التعدين العربية السعودية "معادن"، التي يمتلك صندوق الاستثمارات العامة حصة كبيرة فيها، في التنقيب عن الذهب والبوكسيت والنحاس داخل المملكة، وأصبحت واحدة من أكبر منتجي الفوسفات في العالم. وقد بدأت الآن في التنقيب عن مجموعة واسعة من المعادن في المملكة، ولا سيما في المنطقة المعروفة باسم "الدرع العربي"، مستهدفة المعادن المهمة في عملية التحول في مجال الطاقة.
وقال الأستاذ محمد الداود: "تُعد شركة معادن الآن من بين أكثر شركات التعدين العالمية إنفاقاً على التنقيب في منطقة واحدة". من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لشركة معادن، روبرت ويلت: "نحن مقتنعون بأن المملكة لديها موارد معدنية كبيرة لم تكتشف بعد".
"نحن مقتنعون بأن المملكة العربية السعودية تمتلك موارد معدنية كبيرة غير مكتشفة، وعملنا هو العثور عليها وتطويرها بشكل مسؤول"، كما يصرح روبرت ويلت، الرئيس التنفيذي لشركة معادن.
تتطلع شركة معادن إلى الاستثمار في تكنولوجيا وتقنيات التنقيب المتقدمة، بما في ذلك تقنية التوأمة الرقمية والذكاء الاصطناعي والروبوتات، لجعل عمليات التعدين السعودية من بين الأكثر كفاءة واستدامة في العالم، بالإضافة إلى تسريع الجدول الزمني لتطوير مشاريع التعدين.
قال الأستاذ محمد الداود: "عادةً ما يستغرق الأمر عشر سنوات من الاستكشاف إلى الاستخراج، علينا تطبيق التقنيات المتقدمة لنتمكن من تسريع هذه العملية".
وأضاف الأستاذ هوروكس-تايلور: "بلا شك أن للتكنولوجيا دور في ذلك، نظراً لإدراكنا ضرورة القيام بأداء الأعمال بشكل أفضل وأسرع وبطريقة مختلفة". مضيفا: "مع وجود الاستثمار، سنرى تقدماً كبيراً، ولدى المملكة والمنطقة بأكملها فرصة لتكون رائدة في هذا المجال".
وقد دخلت شركة معادن بالفعل في شراكة مع شركة إيفانهو إلكتريك، وهي شركة أمريكية متخصّصة في تقنيات التنقيب عن المعادن المتقدمة، حيث استحوذت على حصة 9.9% من الشركة مقابل 126.5 مليون دولار أمريكي، وسيقوم المشروع المشترك بمسح حوالي 48,500 كيلومتر مربع من الأراضي في المملكة، وهي مساحة شاسعة أكبر من الدنمارك. ويهدف البرنامج إلى اكتشاف احتياطيات جديدة كبيرة من النحاس والنيكل والذهب والفضة والمعادن الاستراتيجية الأخرى.
ويمتد هذا التركيز على الابتكار ليشمل تدريب القوى العاملة المحلية الماهرة، فشركة معادن تموّل برامج جديدة في التعدين وعلوم المواد في الجامعات السعودية. قال روبرت ويلت: "نحن نريد تطوير الشباب السعودي للعمل في قطاع التعدين". مضيفاً: "نحن جادون جداً في تطوير أنظمة التعليم والفرص المتاحة".

سلاسل القيمة والدوائر الفعالة
تمتد طموحات صندوق الاستثمارات العامة إلى ما هو أبعد من الاستخراج. فهو يتطلع إلى تطوير سلسلة القيمة الشاملة، بدءاً من التنقيب عن المعادن في المراحل الأولية إلى المعالجة النهائية والتكرير وتصنيع المنتجات النهائية. ويهدف الصندوق إلى تحقيق ذلك؛ سيشهد قطاع التعدين مزيداً من التطور من خلال تعزيز التعاون، باعتبار هذا القطاع الركيزة الثالثة في اقتصاد المملكة. وأوضح روبرت ويلت: "بينما تعمل المملكة على تنويع اقتصادها، فإن مهمتنا هي توفير الفلزات والمعادن اللازمة لذلك".
ستدعم إمدادات المواد الحيوية طموح المملكة لإنتاج ما لا يقل عن نصف احتياجاتها من الكهرباء عبر مصادر متجددة بحلول عام 2030. وبدورها، ستوفر هذه الطاقة المنخفضة التكلفة والمستدامة ميزة تنافسية في عمليات المعالجة الكثيفة للطاقة. قال روبرت ويلت:
"هناك وجهة نظر مفادها أن تطوير إنتاج الحديد والصلب الأخضر في المنطقة أمر منطقي للغاية مع التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية".
يقوم صندوق الاستثمارات العامة أيضًا بضخ استثمارات في إنتاج الصلب: حيث استحوذ الصندوق في عام 2023 على الشركة السعودية للحديد والصلب (حديد)، وفي العام نفسه وقّع اتفاقية مع أرامكو السعودية وشركة باوستيل لإنشاء مجمع متكامل لتصنيع ألواح الصلب. ويدعم كلا الاستثمارين التنمية في الصناعات التحويلية الحيوية، بما في ذلك البناء المحلي والسيارات والمرافق والطاقة المتجددة والنقل والخدمات اللوجستية.
علاوة على ذلك، فإن استثمارات صندوق الاستثمارات العامة في قطاعات استراتيجية أخرى، مثل العقار والمركبات، تفتح أسواقاً خارجية محتملة للمواد المنتجة في السعودية. على سبيل المثال، يقوم الصندوق ببناء مجمع لصناعة السيارات يستضيف مرافق تصنيع السيارات لشركات لوسد وسير وهيونداي، والشركات ذات الصلة في سلسلة الإمداد.

تنويع الإمداد العالمي
كما يرى الصندوق الفرصة لتعزيز مكانة المملكة بصفتها مورداً عالمياً موثوقاً لهذه المواد الأساسية، في وقت تتزايد فيه المخاوف بشأن محدودية مصادر سلاسل الإمداد.
وقال الأستاذ هوروكس تايلور: "يمكن للمملكة إنشاء سلاسل الإمداد من خلال إقامة شراكات استراتيجية". مضيفاً: "هناك إمكانية للاستفادة من القدرات التقنية للصين والبلدان الآسيوية الأخرى، وفي الوقت نفسه تغذية سلاسل الإمداد الغربية. فالأسواق الأمريكية والكندية والأوروبية تبحث في نهاية المطاف عن منتجات المعادن والفلزات ذات الأسعار التنافسية والمدخلات منخفضة الكربون وبإمكان المملكة أن تقدم ذلك".
يحرص الصندوق على استقطاب شركاء خارجيين وقد أسس شركة المنارة للمعادن، وهي مشروع مشترك مع شركة معادن، للاستحواذ على حصص في مشاريع التعدين في الخارج وتأمين إمدادات المعادن الهامة. وفي أبريل 2024، أكملت الشركة الاستحواذ على حصة 10% من شركة فالي بيس ميتالز مقابل 2.5 مليار دولار أمريكي تقريباً.
تتيح هذه الشراكة للمملكة الوصول إلى سلاسل إمداد عالية الجودة للمعادن الاستراتيجية مثل النيكل والنحاس والكوبالت. ولدى شركة فالي بيس ميتالز خطط نمو طموحة، ومن المتوقع أن تستثمر ما بين 25 مليار دولار أمريكي و30 ملياردولار أمريكي في مشاريع جديدة في البرازيل وكندا وإندونيسيا على مدى العقد المقبل. وتعد هذه المبادرات جزءاً من جهود أوسع نطاقاً يبذلها الصندوق لترسيخ مكانة المملكة في "منطقة رائدة" للمعادن تضم أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب آسيا.
يهدف الصندوق أيضًا إلى تحسين المؤهلات البيئية للاستخراج. وقد التزم الصندوق وشركة معادن بالوصول إلى الحياد الصفري بحلول عام 2050، تماشياً مع هدف المملكة للوصول إلى الحياد الصفري بحلول عام 2060.
وقد علّق مارك كوتيفاني، الرئيس التنفيذي السابق لشركة أنجلو أمريكان ثم رئيس مجلس إدارة شركة فالي بيس ميتالز خلال منتدى مستقبل المعادن في الرياض في وقت سابق من هذا العام قائلًا: "إنها فرصة تاريخية للمملكة لبناء قطاع تعدين مستدام من الصفر، وفرص مثل تلك تحدث مرات قليلة في التاريخ"

- هدف المملكة العربية السعودية هو الوصول إلى الحياد الصفري بحلول عام 2060.
- يلتزم كل من صندوق الاستثمارات العامة وشركة معادن بالوصول إلى الحياد الصفري بحلول عام 2050.
مركز المواد المهمة
وفي الوقت نفسه، قامت المملكة بإعداد تنظيمات التعدين بشكل صديق للبيئة بهدف تشجيع المشغلين الأجانب الذين يرغبون في عقد أعمال التعدين في المملكة. وأشار الأستاذ محمد الداود إلى أن الحكومة لديها إطار تنظيمي جيد ينطبق على المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء، ولديها خطط تحفيزية كبيرة تقدمها.
في عام 2024، كشفت الحكومة السعودية عن حوافز تنقيب بقيمة 182 مليون دولار أمريكي، وأعلنت عن 33 ترخيص تعدين جديداً. وقد بدأت الاستراتيجية تجني ثمارها. فقد حصلت شركات كبرى على تراخيص، بينما تقوم شركات أخرى مثل باريك جولد بتأسيس مشاريع مشتركة مع شركة معادن.
في الوقت الذي تتردد فيه العديد من شركات التعدين العالمية في الاستثمار في مشاريع جديدة، إلا أن صندوق الاستثمارات العامة عازم على دخول السوق، وتبني رؤية طويلة المدى وأكثر تفاؤلاً اتجاه اضطرابات سوق السلع، يعتبره خبراء القطاع تطوراً جيدا. ولخص الأستاذ محمد الداود استراتيجية الصندوق في قطاع التعدين قائلاً: "يتبنى الصندوق خطة طويلة المدى حين يستثمر في القطاع. لقد بنينا سجلًّا حافلاً بالنجاح، وسنواصل التزامنا بدعم تطوير القطاع".
يساهم صندوق الاستثمارات العامة في ترسيخ مكانة المملكة لأهميتها في تشكيل المشهد العالمي للموارد في القرن الحادي والعشرين. ومن خلال الاستفادة من مواردها المالية وتبني التقنيات المتطورة وتعزيز الشراكات في جميع أنحاء العالم، فإن المملكة تطمح إلى تنويع اقتصادها، وتعزيز دورها المهم في التحول في مجال الطاقة، مما قد يضمن إمدادات أكثر استقراراً ومرونة من المواد الحيوية.
إنتاج أستوديو EI Studios لصالح صندوق الاستثمارات العامة، وقد نشرت على "إيكونوميست" في 23 ديسمبر 2024
-
شبكة أخبار الصندوق
06 أكتوبر 2025 تأثير الصندوق: رسم خريطة النمو في المملكة العربية السعودية والعالم
-
شبكة أخبار الصندوق
25 يونيو 2025 المدن المبتكرة تقدّم مفهوماً جديداً لتعزيز تجربة التنقل في المملكة العربية السعودية -
-
شبكة أخبار الصندوق
12 مايو 2025 الفخامة والاستدامة تجتمعان في أبرز وجهات الرفاهية في المملكة العربية السعودية -
شبكة أخبار الصندوق
29 أبريل 2025 دور قطاع الطيران والخدمات اللوجستية في تسريع جهود التنويع الاقتصادي في المملكة العربية السعودية