الفخامة والاستدامة تجتمعان في أبرز وجهات الرفاهية في المملكة العربية السعودية

من منتجعات الاستجمام في روما القديمة إلى منتجعات الرفاهية عالية التقنية اليوم، فإن السعي نحو الرفاهية متجذر بعمق في تاريخ الترفيه والسياحة. وقد ارتفع هذا الدافع للعناية الذاتية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث كشفت دراسة استقصائية أجرتها شركة ماكنزي أن المستهلكين أصبحوا يولون صحتهم مسؤولية بصفة متزايدة، ويتوقعون من الشركات تقديم حلول فعالة مدعومة بالعلوم. ونتيجة لذلك، أصبح سوق الرفاهية الصحية قوة اقتصادية رئيسية، حيث نما بمعدل مثير للإعجاب بنسبة 12% سنوياً منذ عام 2020. وقد بلغت قيمته السوقية إلى رقم قياسي بلغ 5.6 تريليون دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن يتوسع بمعدل يزيد عن 52% أخرى بحلول عام 2027، مما يسلّط الضوء على الدور المحوري لهذا القطاع في الاقتصاد العالمي.

لم تعد السياحة الصحية مقتصرة على المنتجعات الصحية أو المنتجعات العلاجية، بل أصبحت تعكس نهجاً أكثر شمولاً، حيث تدمج الرفاهية مع الاستدامة والتكنولوجيا وجودة الحياة لكل من المقيمين والمسافرين. يحدد تقرير حديث أن سياحة الاستجمام سوق سريع النمو، حيث بلغت قيمته حوالي 814.6 مليار دولار عالمياً في عام 2022، ومن المتوقع أن تصل إلى 2.1 تريليون دولار بحلول عام 2030. وقد ظهر بعض الرواد الجدد في هذا المجال. كما شهدت المملكة زيادة في الطلب على تراخيص الأنشطة السياحية بنسبة 390% في عام 2023. وقد استجابت لذلك من خلال الاستثمار المكثف في المشاريع التحويلية التي لا تقدم تجارب راقية فحسب، بل أيضاً مخططاً للرفاهية في المستقبل، بما يتماشى مع رؤية السعودية 2030، وهي مبادرة طموحة للتنويع الاقتصادي، ويساهم في تحقيقها صندوق الاستثمارات العامة.

تتنوع محفظة صندوق الاستثمارات العامة المتنامية من المناظر الطبيعية المستقبلية لمشروع نيوم الضخم الجديد إلى السواحل الخلابة للبحر الأحمر، مما يوائم قطاعي الرفاهية والسياحة في البلاد مع الطلب العالمي المتزايد على التجارب التي تعزز الصحة الشخصية مع احترام البيئة في الوقت نفسه. ومن الأمثلة على ذلك مشروع المربع الجديد - وهو عبارة عن مدينة تبعد 15 دقيقة يتم تطويرها شمال العاصمة الرياض. عند اكتمال المشروع، ستكون جميع المرافق الرئيسية على بُعد 15 دقيقة سيراً على الأقدام، بما في ذلك المدارس والمستشفيات ومراكز التسوق والترفيه وأماكن العمل وغيرها.

يقول مايكل دايك، الرئيس التنفيذي لمشروع المربع الجديد، وهو مشروع تطوير عقاري مقره المملكة: "لقد أدى ازدياد السياحة بغرض الرفاهية إلى جعلها نقطة محورية في صناعة السفر الفاخر، فعلى الصعيد العالمي، لا يبحث المسافرون على مستوى العالم عن الراحة فحسب، بل يبحثون أيضاً عن تجارب الرفاهية الشاملة، سواءً من خلال الطبيعة الغامرة أم التصاميم الحضرية المستدامة. وتماشياً مع هذه التوجهات، يدمج مشروع المربع الجديد بين المساحات الخضراء وتقنيات المدن الذكية والأحياء التي يمكن المشي فيها مما يضع الرفاهية والاستدامة في قلب الحياة الحضرية، كما يتماشى المشروع مع أهداف الاستدامة لرؤية 2030، ومبادرة السعودية الخضراء".

قيادة ثورة في مجال الرفاهية

في قلب ثورة الرفاهية، يعمل صندوق الاستثمارات العامة على توجيه استثماراته لتعمل على إعادة تشكيل عروض السياحة والرفاهية في البلاد. ومن خلال مشاريع مثل نيوم، والوجهات والمنتجعات الترفيهية للبحر الأحمر الدولية، يساعد ذلك في بناء نهج جديد للسياحة التي تركز على الصحة. يشرح جون باغانو، الرئيس التنفيذي لمشاريع البحر الأحمر الدولية: "قبل جائحة كوفيد-19، كان قطاع السياحة بغرض الرفاهية في مسار نمو كبير بالفعل. أكدت الجائحة مدى أهمية الاستثمار في صحتنا. نحن نعمل على إنشاء وجهات تلبي جميع جوانب الرفاهية، ولا سيما ترسيخ مكانة أمالا باعتبارها الوجهة الأكثر شمولاً في العالم في مجال الصحة والرفاهية". تستقطب أمالا، التي من المقرر أن تستقبل أول ضيوفها في العام 2025، أبرز المشغلين في قطاع الصحة والرفاهية مما يجعلها وجهة متميزة مخصصة لمساعدة الناس على عيش حياة أطول وأكثر صحة. تستجيب مجموعة العروض التي تقدمها الوجهة لطلب المسافرين من أنحاء العالم، بدءاً من برامج الرفاهية الطبية والتكاملية إلى العلاجات التكميلية واللياقة البدنية والرياضة.

يتجه القطاع ككل نحو التخصيص الفائق، حيث يتم تصميم الرحلات وفقاً لتلبية رغبات وسلوكيات كل عميل على حدة. من خلال استخدام أدوات لتحليل البيانات، يمكن للشركات الآن التنبؤ بتفضيلات المسافرين وتقديم توصيات وخدمات فائقة التخصيص.

وإلى جانب ذلك هناك تحول في طريقة تفكير المستهلكين نحو أهدافهم الصحية. فمع تزايد استخدام أجهزة تتبع اللياقة البدنية القابلة للارتداء على سبيل المثال، أصبحت الممارسات والمنتجات والإرشادات التي يمكن أن تعطي السائحين المهتمين بتحسين صحتهم البدنية والعقلية نتائج قابلة للقياس أكثر شيوعاً. ونتيجة لذلك، تقدم المنتجعات الصحية الراقية مدربين للنوم وغرف الضغط العالي وجلسات العلاج بالتبريد. أصبحت التكنولوجيا عاملاً تمكين يساعد الذين يسعون إلى استعادة نشاطهم وتجديد شبابهم وتخفيف ضغوط الحياة العصرية.

وتجسّد نيوم، التي صُممت لتكون مختبراً حياً، معياراً عالمياً في مجال الرفاهية من خلال الرعاية الصحية والأبحاث والتعليم - هذا الاتجاه. ومن بين العديد من المشاريع العقارية الضخمة هما مشروعي الواحات الصحراوية "أكويلوم"، و"زردون". ويقع المشروع الأول على طول ساحل خليج العقبة ويضم مساحة مذهلة معظمها تحت الأرض، وتم دمجها بسلاسة مع البيئة الطبيعية المحيطة بها. بينما يقدم منتجع زردون الساحلي الفاخر للسياحة البيئية ثروة من تجارب الرفاهية عبر فنادقه الثلاثة، من الرحلات إلى اليوغا وتسلق الصخور إلى ركوب الدراجات الجبلية. من خلال التركيز على الاستدامة مع تقديم تجارب طبيعية غامرة، تهدف هذه المشاريع إلى خلق عالم تلتقي فيه الفخامة مع المسؤولية البيئية.

يسعى العديد من المسافرين الآن لفرص رد العطاء للمجتمعات المحلية أو دعم الحفاظ على البيئة. في البحر الأحمر، أول وجهات مشروع البحر الأحمر العالمية التي تم افتتاحها، هناك أربعة فنادق تستقبل الضيوف، بما في ذلك فندق نجوما الفاخر، وفندق ريتز كارلتون ريزيرف المنعزل والعصري على جزر أمهات البكر وغير المأهولة. تجمع هذه المنتجعات بين الضيافة السعودية التقليدية، والممارسات البيئية التي يتوقعها المستهلكون الآن؛ حيث يعتمد التصميم على الطاقة الشمسية (الوجهة بالكامل خارج نطاق الشبكة)، وإعادة تدوير استخدام المياه والحفاظ على الحياة البحرية المحلية.

التوجه نحو الرفاهية الشاملة

كما يحدد المعهد العالمي للرفاهية أن السياحة بغرض الرفاهية مصممة على أنها مخصصة ومتنوعة بصفة متزايدة، حيث تتناول مجموعات الضيافة الكبرى قضايا الفئات الاجتماعية، مثل العائلات. ومن بين مشاريع صندوق الاستثمارات العامة المتعلقة بالرفاهية، تبرز العلامة التجارية ”كياني“ بصفتها علامة تجارية رائدة في مجال صحة المرأة. وهي مصممة للنساء في المملكة وتقدم نموذجاً للرفاهية يدمج بين اللياقة البدنية والصحة النفسية والدعم المجتمعي بطريقة شاملة ومراعية للثقافة. يقول الرئيس التنفيذي فيكرام ناتاراجان: "كياني ليست مجرد علامة تجارية للياقة البدنية، إنها توجه لتوفير حلول شاملة للرفاهية للنساء في المملكة. نحن نقدم برامج لياقة بدنية وحلول صحية ملائمة ثقافياً تمكّن النساء من التحكم في صحتهن ضمن بيئة داعمة".

تهدف هذه المبادرات، من خلال مواءمة السياحة مع الاستدامة البيئية ورفاهية المجتمع، إلى المساعدة في تعزيز أهداف جودة الحياة ضمن رؤية السعودية 2030 وبناء مجتمع أكثر شمولاً وحيوية. ومع تطور السياحة بغرض الرفاهية في أنحاء العالم، يوضح هذا النهج أن الرفاهية والاستدامة يمكن ويجب أن ينسجمان معًا. تتطلب المشاريع السياحية واسعة النطاق توازنا دقيقا بين التنمية والمحافظة، بما في ذلك الإدارة اليقظة والتكيفية.

يبدو أن تركيز صندوق الاستثمارات العامة على الرفاهية كركيزة أساسية في السياحة من شأنه أن يرفع من جاذبية المملكة عالميًّا، فضلًا عن وضع معيار للمرحلة القادمة في السياحة بغرض الرفاهية العالمية. من خلال المشاريع متعددة الأوجه والتعاون الجريء والابتكارات الملهمة والرؤية الثاقبة يتم بناء الطريق نحو مجتمع أكثر صحة ورفاهية.

من إنتاج فاينانشيال تايمز