المدن المبتكرة تقدّم مفهوماً جديداً لتعزيز تجربة التنقل في المملكة العربية السعودية
في منتصف القرن العشرين، كانت السيارة هي مستقبل النقل الحضري بالنسبة لمخطّطي المناطق الحضرية. ومع انتقال المزيد من الناس إلى المدن، كان الحل هو بناء المزيد من الطرق. كانت الطرق السريعة تلتف حول الضواحي وتنقل الناس إلى مراكز المدن حيث تدفع الشركات مبالغ طائلة مقابل المكاتب المجاورة لمواقف السيارات متعددة الطوابق.
ولكن مع احتمال أن يعيش شخصان من كل ثلاثة أشخاص في المدن أو المراكز الحضرية الأخرى بحلول عام 2050، فإن نظام التنقل هذا قد يتطلب المزيد من الطرق. هناك حاجة إلى رؤية جديدة، وبالنسبة لصندوق الاستثمارات العامة فإن مستقبل التنقل لا يمكن أن يكون مستداماً إلا إذا كان جزءاً من رؤية أوسع للحد من الانبعاثات وتحسين الحياة الحضرية.
ومن ناحية المدن، يقوم صندوق الاستثمارات العامة ببناء مشروع” المربع الجديد “المملوك له في الرياض والذي سيجمع عند اكتماله بين المرافق السكنية والمجتمعية الأساسية، بالإضافة إلى الأماكن الترفيهية والثقافية في نموذج حضري أكثر فعالية.
يقول مايكل دايك، الرئيس التنفيذي لشركة المربع الجديد: ”سنصبح مدينة ذات طابع ذكي منذ اليوم الأول، ستتمكن من تحديد مسارات التنقل بسهولة، وستتمكن من حجز أي شيء تريده خلال مجتمعات لا تزيد فترة التنقل سيراً فيها عن 15 دقيقة“.
فبدلاً من تقسيم مختلف المناطق إلى مناطق سكنية أو تجارية منفصلة، تم بناء المربع الجديد حول سلسلة من المناطق المتكاملة التي ترتبط ببعضها من خلال مسار رئيسي للمشاة يسمى ”حلقة التنقل“. وداخل كل منطقة، سيكون هناك تركيز على إنشاء مساحة عامة عالية الجودة، تشمل الممرات المظللة أو مسارات الدراجات والحدائق والأماكن العامة. كما ستربط بين المنازل والخدمات.
يتطلب هذا النهج الذي يتمحور حول الإنسان في التنقل أيضاً استخداماً أفضل للمساحات الأفقية. ومن التطورات الرئيسية في مشروع نيوم، وهو أحد المشاريع الكبرى لصندوق الاستثمارات العامة الذي يتم بناؤه في شمال غرب المملكة العربية السعودية، مدينة ذا لاين، وهي عبارة عن مدينة خطية بطول 170 كم. فبدلاً من الاعتماد على الطرق، سيتمكن السكان من التنقل على متن حافلات تحت الأرض أو استخدام طائرة للإقلاع والهبوط للتحليق عالياً فوق المدينة.
.jpg)
تُعد أنظمة التنقل الأفقي جزءاً لا يتجزأ من نموذج ذا لاين الحضري، الذي ينقسم إلى طابق للمشاة في الأعلى، وطابق خدمات في الوسط، وطابق تنقل، يُعرف باسم” العمود الفقري“، في القاعدة.
وأوضح البروفيسور جيسون بوميروي، المهندس المعماري الرائد عالميًا ومؤسس استوديوهات بوميروي في سنغافورة، أن أنظمة التنقل الجديدة هذه ممكنة إلى حد كبير بفضل التطورات في إنترنت الأشياء والاتصال بشبكة الجيل الخامس، والتي توفر للمصممين الحضريين المعلومات في الوقت الفعلي لرسم خريطة” توأم رقمي“ للمدينة.
كما أضاف أنه عندما تكتشف أجهزة الاستشعار في مترو المدينة زيادة في حجم ركاب القطار، يمكن للذكاء الاصطناعي توجيه أسطول من الحافلات الآلية تحت الأرض إلى المنطقة لتخفيف الازدحام. وفي الوقت نفسه، يمكن للتقنيات الأخرى، مثل” النماذج اللغوية الكبيرة“، ترجمة أنماط حركة المرور المتغيرة إلى اتجاهات واضحة توصل الناس إلى وجهتهم بسرعة أكبر.
أما خارج وسط المدينة، فالسيارات جزء لا يتجزأ من مستقبل التنقل. ولكن لكي يكون ذلك مستداماً، يجب ألا يترافق زيادة عددها مع زيادة في التلوث. تخطط شركة البنية التحتية للسيارات الكهربائية، التي أطلقها صندوق الاستثمارات العامة والشركة السعودية للكهرباء في أكتوبر 2023، لتركيب أكثر من 5,000 محطة شحن سريع في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية بحلول عام 2030.
وهذا لن يؤدي فقط إلى تسريع الإقبال على السيارات الكهربائية، بل سيوفر أيضاً منصة لنمو صناعة السيارات الكهربائية في المملكة العربية السعودية. ويدعم ذلك المشروع المشترك لصندوق الاستثمارات العامة مع شركة بيريللي لتصنيع الإطارات عالية الجودة، والمشروع المشترك مع شركة هيونداي موتور لإنشاء مصنع للتصنيع الآلي للسيارات في المملكة العربية السعودية.

في سبتمبر 2023، افتتحت أيضاً شركة لوسيد للسيارات الكهربائية، المدعومة من صندوق الاستثمارات العامة، أول مصنع لتصنيع السيارات الكهربائية المتطورة في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية شمال جدة، مع خطط لإنتاج 155,000 سيارة كهربائية سنوياً. يأتي المصنع الجديد مكملاً لمصنع "سير" للسيارات الكهربائية الذي أنشأه صندوق الاستثمارات العامة في نوفمبر 2022، وهو مشروع مشترك بين صندوق الاستثمارات العامة وشركة فوكسكون العملاقة في مجال التكنولوجيا.
يقول جيمس ديلوكا، الرئيس التنفيذي لشركة سير: "العمل مع شركات لها سجل حافل في مجال الابتكار في مجال السيارات، مثل بي إم دبليو، بالإضافة إلى الشركات الرائدة عالمياً في مجال التكنولوجيا، مثل فوكسكون، يعني أننا نمتلك الخبرة والأنظمة اللازمة لإنجاز المهمة“. مضيفاً: ”سنرى على المدى الطويل أن السيارات الكهربائية ستبدأ في التفاعل مع بعضها ومع البنية التحتية الأوسع نطاقاً“.
ولتحقيق المزيد من التطور، يحتاج هذا القطاع إلى توسيع نطاق عمله، ويتطلع صندوق الاستثمارات العامة إلى استقطاب شركات القطاع الخاص من المملكة وخارجها لتمكين سلسلة إمداد السيارات الكهربائية وحلول التنقل المستقبلية. في أكتوبر 2023، أطلق الصندوق شركة "تسارع" لاستثمارات التنقل، والتي تستهدف شركات القطاع الخاص التي يمكنها توطين خبرات التصنيع والتقنيات المتطورة.
يُعد دعم أهداف صندوق الاستثمارات العامة لمستقبل التنقل أمراً أساسياً لدعم نمو المملكة. حيث تهدف المملكة إلى استقبال 150 مليون زائر سنوياً بحلول عام 2030، ومن المتوقع أن تكون وسائل النقل سريعة وفعالة طوال رحلتهم. كما يتوقع هؤلاء الزوار أيضاً الاستدامة. فالمملكة تهدف أيضاً إلى الوصول إلى الحياد الصفري بحلول عام 2060، ويهدف الصندوق إلى تحقيق هذا الهدف بحلول عام 2050. لذا يعد توسيع نطاق صناعة السيارات الكهربائية في المملكة أمراً ضرورياً لتحقيق ذلك. كما أنها ستساعد البلدان الأخرى على تسريع انتقالها إلى السيارات الكهربائية من خلال الجمع بين البنية التحتية ذات المستوى العالمي وانخفاض أوقات الشحن والتكاليف.
يعمل صندوق الاستثمارات العامة على تطوير مستقبل للتنقل في جميع أنحاء العالم، وتصميم مدن ومركبات أنظف وأكثر كفاءة. هذا هو مخطط التغيير وستكون المملكة أول من يعمل به.
من إنتاج فاينانشيال تايمز
-
شبكة أخبار الصندوق
06 أكتوبر 2025 تأثير الصندوق: رسم خريطة النمو في المملكة العربية السعودية والعالم
-
-
شبكة أخبار الصندوق
12 مايو 2025 الفخامة والاستدامة تجتمعان في أبرز وجهات الرفاهية في المملكة العربية السعودية -
شبكة أخبار الصندوق
29 أبريل 2025 كيف يساهم صندوق الاستثمارات العامة في تشكيل مستقبل قطاع التعدين في المملكة العربية السعودية -
شبكة أخبار الصندوق
29 أبريل 2025 دور قطاع الطيران والخدمات اللوجستية في تسريع جهود التنويع الاقتصادي في المملكة العربية السعودية